أ .شروق محمد
كانت لمساتها الحانية تحتوي وجهها الصغير وهي وتداعبها برقة وتغرقها بالقبلات ، متجاهلة هذه النظرات الحادة التي حاصرها بها المتواجدون في ساحة الانتظار بإحدى المؤسسات ، فقد كانت طفلتها الرضيعة من ذوي الاحتياجات الخاصة ، وكانت ملامحها تؤكد أنها لا تستطيع التجاوب مع أمها فهي شبه غائبة عن الإدراك ، إلا أن الغريب أنه بعد فترة وجيزة من مداعبة الأم بدأت الطفلة تحرك يدها بنفس حركة الأم وتربت على كتف أمها مثلما تفعل هي في مشهد عجيب يثير المشاعر ، وأدركت حينها أن هناك لغة خاصة تجمع هذه الطفلة بأمها هي لغة من نوع خاص لغة الحب والحنان..
........................
لا شك أن ميلاد طفل معاق في الأسرة يعد حدث جلل قد يصفه البعض بالصدمة ، وقد يعتبره البعض محنة إلا أن القليلين من يعدوه منحة ربانية ..وتخطئ الأسرة حين تعامل الابن المعاق على أنه كمٌ مهمل وأي جهد معه سيذهب هدراً . فيصير الطفل المعاق ضيف شرف في حياتنا وفي مدارسنا ولا يوجد له أي وجود علي خريطة اهتماماتنا أو اهتمام حكومتنا ومؤسساتها ..إلا أن الحقائق العلمية والتجارب الشخصية تثبت أن الكثيرين من ذوي الاحتياجات الخاصة تحسنت أحوالهم بل حققوا تقدماً ملحوظاً في مجالات عدة تفوقوا فيها حتى عن الأطفال الطبيعيين والأسوياء..
وفي هذا المقال سنحاول التركيز على دور الأم في رفع كفاءة الطفل المعاق ، وهي الشخص الأكثر التصاقاً بالطفل خاصة في سنيه الأولى:
الأم ما بعد الولادة
في المعتاد تمر الأم عند ولادتها لطفل معاق بعدة مراحل.. أولها مرحلة الصدمة حيث تكون متوقعة ولادة طفل جميل تضع فيه كل آمالها، ولكنها تفاجأ بطفل معاق لا تمتلك الخبرة الكافية لكي تتعامل معه وتلبي جميع احتياجاته..
ثم تأتى مرحلة الرفض لهذا الطفل، فقد تتقوقع على نفسها وتخفيه عن صديقاتها وأقاربها أو في أحسن الأحوال تعالجه كنوع من الواجب فقط وليس إيمانا منها بأنه طفل عادي يحتاج إلى مزيد من الرعاية والمتابعة.
ولكننا ننصح أم المعاق بما يلي:
- أن تواجه الواقع بمزيد من الشجاعة وتتقبل قضاء الله بالصبر والرضا ..
- أن تطمئن بأن طفلها المعاق كبقية الأطفال ولكن تصاحبه بعض المشاكل، وتقتنع كذلك بأنه من الممكن التغلب على هذه المشاكل بسهولة..
- وذلك من خلال المتابعة والتدريب وتغيير النظرة إليه إلى نظرة إيجابية ترسخ داخلها القناعة بأنه قادر على أن يعيش بشكل طبيعي ، إذا تمت رعايته من الناحية النفسية والصحية والسلوكية.
- أن تبدأ في متابعته طبياً ونفسياً منذ وقت مبكر حتى تستوعب أي مشكلة وتحاول حلها مبكراً..
- ضرورة تواصل الأم مع الاختصاصيين حسب نوع إعاقة الطفل، وكذلك المراكز الحكومية والخاصة التي توفر المساندة الضرورية للأم والطفل معا،
- من خلال المراكز المتخصصة يمكنها التعرف على حالات مشابهة مما يعنى أنها ليست الأم الوحيدة المعذبة، بالإضافة إلى إمكانية الاستفادة من خبرات الأمهات في هذا الصدد، وهو ما يعطيها الثقة والأمل في تحسن حالة الطفل.
- احتضان الطفل وإغراقه بالحب والحنان من أهم وسائل دعمه وتطوره ، فلغة الحب هي أرقى لغة للتواصل والتفاهم ، والتي لا تحتاج إلى مهارات ذهنية أو قدرات خاصة لتحدث التواصل المطلوب..
- ومن المهم أن تتحلى الأم بالصبر وتحاول منح الطفل فرصة للقيام بالعمل وحدة ثم تبادر بتقديم المساعدة له بالتدريج لحين أن يبدأ هو بالقيام بالعمل بنفسه مع تشجيعه الدائم...
- وفي نفس الوقت لا ينبغي للأم أن تبالغ في تصورها عن نتائج رعايتها واهتمامها بالطفل المعاق فقد لا يحدث التقدم المأمول منه بحسب درجة إعاقته ، المهم ألا تتوقف عن رعايته ودعمه نفسياً ؛ فهناك حالات عديدة لأطفال خضعوا لعلاج منتظم وتلقوا رعاية خاصة، إلا أن حالتهم لم تتحسن بسبب عدم استيعاب الأم كونها تتعامل مع طفل معاق، وليس ذاك الطفل المثالي الذي كانت تحلم به. فوجود تلك المسافة أو الهوة النفسية بين الطفل المثالي الموجود في خيال الأم وطفلها المعاق، يضاعف معاناة الطفل.
- كما تنصح الأم بعدم عزل الطفل في المنزل، من باب حمايته من قسوة العالم الخارجي، بل لابد من مساعدته على الاندماج في المجالات الطبيعية للحياة.
- وفي الوقت ذاته لابد من دفع الأب للمساهمة في تحمل المسؤولية لمساعدة الأم وتخفيف العبء عنها ، ومشاركة الأخوة معها.
وفي النهاية نؤكد أن وجود طفل معاق في الأسرة لا يعني نهاية الحياة بل قد يكون بوابة لتغيير حياة الأسرة للأفضل ، ومنحة ربانية إذا تقبلناه بمزيج من الصبر والرضا والحب والاحتواء.