لم تعد المدرسة ذلك المكان الذي يتلقى فيه الطالب أو الطالبة العلوم المعرفية فقط، بل انها قبل ذلك تقوم بالاسهام مع الأسرة في عملية التنشئة الاجتماعية للأبناء والبنات. تلك العملية التي تعتبر أساسا لاكتمال نمو الشخصية للإنسان، والتي إذا ما وضعت في أطرها الصحيحة فإنها تساعد في ايجاد جيل قادر على تحمل المسؤليات ومواجهة المشكلات التي تعترضه مهما اختلفت جوانبها.بل إن المدرسة وفي ظل تخلي الأسرة عن كثير من أدوارها، أصبحت تعادل المنزل -إن لم تزد عليه- في تحمل مسؤلية تربية وتعليم وصقل المهارات الاجتماعية للطلاب والطالبات. ذلك أن الطالب والطالبة يقضي ما يقارب ثلث يومه في المدرسة. وحتى ذلك الوقت الذي يقضيه في المنزل تجد أن عليه أن يقوم بالعديد من الانشطة التي لها علاقة بالمدرسة من عمل للواجبات المدرسية المنهجية منها وغير المنهجية أو استذكار لدروسه أو غير ذلك من أنشطة. خصوصا لو عرفنا طول الوقت الذي يستغرقه الطالب أو الطالبة للقيام بتلك الواجبات المنزلية. واعتقد أن ما تبقى من وقت بالكاد يكفي للنوم واللعب والراحة. فأين وقت التربية وتعلم واكتساب المهارات والخبرات الاجتماعية والحياتية؟ لذا أعتقد أن على المدرسة القيام بتلك المهمة ومساعدة الاسرة في ذلك على أن تتم على أيدي أخصائيين اجتماعيين وأخصائيات اجتماعيات مؤهلين ومؤهلات، أعدوا اعدادا نظريا وعمليا للعمل في المجال المدرسي.أن أهمية وجود الاخصائية الاجتماعية والاخصائي الاجتماعي المدرسي تكمن في قدرتها وقدرته على التعامل مع تلك المشكلات المتعددة والمتنوعة التي يتعرض لها طلابنا وطالبتنا والتي لا تخفى على أحد. أن تلك المشكلات على اختلافها وتعددها تختلف مصادرها والعوامل المسببة لها فاحيانا تكون الاسرة سببا في المشكلة التي يتعرض لها الطالب. كما قد تكون سببا في تأخر الطالب الدراسي أو في تسربه من المدرسة. كما قد يكون الطالب بما يعانية من مشكلات نفسية سببا في مشكلاته وما يسببه ذلك من معاناة أسرية تنعكس على تحصيله الدراسي وزيادة معاناته النفسية والاسرية. أيا كانت الاسباب فإن المشكلات التي يتعرض لها الطلاب والطالبات متداخلة تؤثر في بعضها البعض ممايزيد الأمر تعقيدا أذا تركت دون تدخل مهني سليم.دعونا نتصور ذلك الأب المريض الذي يعامل أبنه بقسوة شديدة من ضرب واهانات لا يتحملها جسده الصغير ولا نفسيته البكر. إن مثل هذه القسوة الوحشية لن تؤدي بذلك الصغير الى كره والده فقط، بل أن هذا الكره من قبل هذا الصغير سيوجه الى كل أب والى كل من يمثل السلطة عليه مثل المدرسين وغيرهم. وأي تحصيل نتوقعه من طالب كهذا؟وفي مثال آخر نجد ذلك الاستاذ الذي لا يهمه أن فهم الطلاب أم لا. متجاهلا رسالته التعليمية، تاركا الطلاب لاجتهاداتهم الفردية واجتهادات أسرهم في تعليم الابناء، فما ذنب الآخرين من الطلاب الذين لم تسعفهم قدراتهم الاستيعابية على فهم الدرس؟ وما هو مصيرهم في نهاية السنة الدراسية؟ وماذا ينتظرهم من مستقبل؟وماذا عن الطالب الذي يعاني من ضعف في سمعه، على الرغم من محاولاته الجادة للتحصيل وفهم الدرس الا انه لا يستطيع ذلك، في ظل تجاهل مدرسوه وجهل أسرته بمشكلته؟ أن الامثلة السابقة حقيقية من واقع مدارسنا كان يمكن تلافيها وايجاد الحلول المناسبة لها لو وجد الاخصائي الاجتماعي المدرسي الذي يستطيع بما يمتلكه من مهارات علمية وعملية من اكتشاف تلك الحالات وتشخيصها والتعامل معها. كم من ابنائنا وبناتنا تعرض للفشل في الحياة الدراسية والاجتماعية بأسباب كهذه؟أن وجود الاخصائي الاجتماعي المدرسي ليس لحل المشكلات التي يتعرض لها الطلاب، بل انه مؤهل ايضا لتخطيط واعداد وتنظيم البرامج والخدمات التي من شأنها وقايتهم من الانزلاق في الممارسات السلوكية السيئة، ولا اعتقد انه يخفى على أحد منا مدى ما يواجهه أبنائنا وبناتنا من أخطار.كما أن الاخصائي ألاجتماعي أو الاخصائية الاجتماعية المدرسية تقوم بتنمية المهارات السلوكية والاجتماعية للطالبات من خلال البرامج المصممة لهذا الغرض، والتي تهدف الى استثمار طاقاتهم فيما يعود عليهن بالمنفعة. من خلال تشكيل الجماعات الصغيرة ذات الاهتمامات المشتركة.إن المدرسة كمجتمع صغير، لايمكن عزلها عن المجتمع الخارجي المحيط بها. فهي تؤثر وتتأثر به سلبا وايجابا. ان الاخصائي الاجتماعي قادر على اكتشاف ومتابعة التغيرات والظواهر الاجتماعية التي تحدث في المدرسة وعلى التعامل معها بكفاءة بعد دراستها وتقويمها من خلال اساليب علمية معروفة، اما بتدعيمها أوكبحها. ألم يحدث لاحدكم أن جاء أبنه أو أبنته بسلوك أو لفظ غريب لم يكن ليتعلمه داخل أسرته؟ الم تتساءل من اين له أو لها بهذا السلوك.والغريب أن مدارسنا عندما أخذت بالاساليب التربوية الحديثة، لم تسع لتطبيقها كاملة. فهي تمنع الضرب منعا باتا، ولكنها لا تعالج المشكلات السلوكية للطلاب والطالبات ولاتبحثها، وأن فعلت فهي تكلها الى غير أهلها. فكيف يمنع الضرب ولا يتم إيجاد الاسلوب التربوي الناجح للتعامل مع المشكلات الطلابية؟ وعلى الرغم من أهمية وجود الاخصائي الاجتماعي المدرسي في مدارسنا، الا ان المسؤلين في وزارة التربية والتعليم لايعرون ذلك بالا. بل إننا الدولة الوحيدة في العالم تقريبا والتي ليس لديها أخصائي اجتماعي مدرسي، (وجاءوا بمسمى المرشد الطلابي، لحاجة في نفس يعقوب) بل أن أحد المسؤلين السابقين (وهو مسؤل كبير) تطوع في أحد اللقاءات التلفزيونية ليقلل من شأن الخدمة الاجتماعية وعدم أهلية خريجيها للعمل في المدارس كأخصائيين اجتماعيين. ولم يكلف هذا المسؤل نفسه الاتصال بالمتخصصين بالجامعات واقسام الخدمة الاجتماعية واستشارتهم عن خريجيها وكيفية اعدادهم للعمل في المدارس. وللعلم فقط فإن خريج الخدمة الاجتماعية يحصل اثناء دراسته على المعارف والعلوم النظرية والتدريب العملي الذي يؤهله وبجدارة للعمل كأخصائي اجتماعي مدرسي. شريطة أن يعطى الفرصة للقيام بمهامه وليس النظر في ساعته ليدق الجرس عندما تنتهي الحصة الدراسية، او لتولي المقصف المدرسي او تنظيم ملفات الطلاب.
د.عبدالعزيز الدخيل