الوسطية في القرآن، والسنة، وعند العلماء، وأهل اللغة:
الوسطية في الإسلام:
مأخوذة من الوسَط الذي هو بمعنى: العدل أو الخيار، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} [البقرة:143].
ما جاء في تفسير ابن كثير:
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيرها: "إنما حوَّلناكم إلى قِبلة إبراهيم عليه السلام واخترناها لكم؛ لنجعلكم خيار الأمم، لتكونوا يوم القيامة شهداء على الأمم؛ لأن الجميع معترفون لكم بالفضل، والوسَط هاهنا: الخِيار والأجْوَد، كما يقال: قريش أوسط العرب نسباً وداراً، أي خيرُها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وسطًا في قومه، أي أشرفهم نسباً، ومنه الصلاة الوسطى التي هي أفضل الصلوات وهي العصر، كما ثبت في الصحاح وغيرها.
ولما جعل الله هذه الأمة وسطا خصها بأكمل الشرائع وأقوم المناهج وأوضح المذاهب، كما قال تعالى: {هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [الحج:78].
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يُدعَى نوح يوم القيامة فيقال له: هل بلّغت؟ فيقول: نعم، فيُدعَى قومه فيقال لهم: هل بلّغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذير، وما أتانا من أحد، فيقال لنوح: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته، قال فذلك قوله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} [البقرة:143]، قال: والوسط العدل فتُدعَون فتشهدون له بالبلاغ، ثم أشهد عليكم» أخرجه البخاري وأحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه.
وقال ابن كثير رحمه الله عند تفسير قوله تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:110]، روى أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم عن حكيم بن معاوية بن حيدة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنتم تُوفُون سبعين أمة، أنتم خيرها وأنتم أكرم على الله عز وجل»، وهو حديث مشهور، وقد حسَّنه الترمذي، ويُروَى من حديث معاذ بن جبل وأبي سعيد نحوه.
وقال عند قوله تعالى: {لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [الحج:78]: "أي: إنما جعلناكم هكذا أمة وسطاً، عدولاً خِياراً، مشهوداً بعدالتكم عند جميع الأمم، لتكونوا يوم القيامة شهداء على الناس".
ما جاء في تفسير الشوكاني رحمه الله:
قال الشوكاني رحمه الله في التفسير: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} [البقرة:143]، "أي مثل ذلك الجَعْل جعلناكم، قيل معناه: وكما أن الكعبة وسط الأرض، كذلك جعلناكم أمة وسطا، والوسط الخِيار أو العدْل والآية محتملة للأمرين ومما يحتملهما قول زهير:
هم وسَطٌ ترضَى الأنامُ بحُكمِهم *** إذا نزلت إحدى الليالي بمُعظم
ومثله قول الآخر:
أنتم أوسطُ حيٍّ علِموا *** بصغير الأمر أو إحدى الكُبَر
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم تفسير الوسط هنا بالعدل، كما سيأتي، فوجب الرجوع إلى ذلك ومنه قول الراجز:
لا تذهبنَّ في الأمور مُفْرِطا *** وكنْ مِن الناسِ جميعًا وسَطا
لا تسألنَّ إن سألتَ شَطَطا
ولما كان الوسط مُجَانِباً للغلُوّ والتقصير كان محموداً: أي هذه الأمة لم تغلُ غُلُوّ النصارى في عيسى، ولا قصروا تقصير اليهود في أنبيائهم، ويقال: فلان أوسط قومه وواسطتهم: أي خيارهم".
الوسطية تعني العدْل والخيرية في الأمة:
مما سبق يتبيّن لنا أن الوسطية تعني: العدل (الوسط)، بمعنى أنه لا إفراط ولا تفريـط، ولا غلــوّ ولا تقصير، ولا تنطُّع (تشُدّد) ولا انفلات، ففي العقائد عقيدة أمة الإسلام وسطٌ بين الملحدين الذين لا يؤمنون بدين، وبين أصحاب الأديان المليئة بالخرافات والتناقضات كالمشركين وأهل الكتاب.. عقيدةٌ تقوم على العقل والفطْرة السليمة والبراهين المحْكَمة والبينات والمعجزات، وتعتمد على النقل الصحيح، والتواتر الصريح والأسانيد المتصلة والمرجعية العلمية.
وفي العبادات وسطيةٌ بين شطحات الرهبان وأصحاب الرياضات الذين يُعذِّبون الأجساد ويُمِيتون الحياة من جهة، وبين الماديين من إباحيين وشيوعيين ورأسماليين الذين يُلْغُون الرُّوح ويعبُدون الشهوات ويتجاهلون الآخرة، وفي المعاملات وسطيةٌ تُراعِي إنسانية الإنسان وحقوقه وترتِّب بمعايير دقيقة الموقفَ من المُوَالِي والمُعَادِي، وتحترم حياة الحيوان، وتحرِص على سلامة البيئة، وتتماشى مع نظام الكون، دون شطَطٍ أو استبداد أو تعصُّبٍ أو فسادٍ، أو إهلاك للحرث والنَّسْل، أو هوًى أو مِزاجيةٍ أو تمُّرُّدٍ على نظام الكون.
أهمية الوسطية:
الوسطية صفة الإسلام من دون الأديان، ولأجل ذلك كان الإسلام أعظم الأديان السماوية أتْباعاً وكانت لأتباعه الصدَارة في الشهادة على الأمم كما مرّ، قال عليه الصلاة والسلام: «فأرجو أن أكون أكثرهم -أي: الأنبياء- تابعًا يوم القيامة» [متفق عليه].
والمسلمون لذلك هم ثُلُثَا أهل الجنة.. عن ابن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أهل الجنة عشرون ومائة صفٍّ، ثمانون منها من هذه الأمة وأربعون من سائر الأمم» أخرجه الترمذي وأحمد وابن حبان والحاكم وغيرهم، وذكر الألباني أنه صحيح، وقال الحاكم والذهبي والأرناؤوط: إنه صحيح على شرط مسلم.
والوسطية ليست سائبة المعيار، بل معيارها في غاية الانضباط، في داخل الأُمّة ذاتـها، لأن الفِرَق الضالة التي تدّعي وَصْلًا بالأمة الوسط تبلُغ اثنتين وسبعين فِرقة، وكلّها في النار، والفِرقة الناجية هي الثالثة والسبعون، وهي التي تُمثِّل الوسطية، لِأَنـها التي مدَحها النبي صلى الله عليه وسلّم، وذكَر أنها الجماعة، أي معظم الأمة، لِأن الفِرَق الأخرى، وإن كان عددها فوق السبعين، إلا أنّ أتْباعها قلّة يسيرة بالنسبة لمجموع الأمة، والجماعة أو الفرقة الناجية هي التي تمثِّل ثُلُثي أهل الجنة كما سبق، وحديث الافتراق هذا رواه أحمد وأبو داود الترمذي وابن حبان والحاكم وغيرهم، وقد صححه الحاكم والذهبي وابن تيمية، وحسّنه الترمذي وابن حجر، وذكر العراقي أن أسانيده جياد، وصحّحه البوصيري و الألباني والأرناؤوط.
معيار الوسطية:
وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم في بعض طرق هذا الحديث معيار الوسطية للفرقة الناجية عندما قال: «ما أنا عليه وأصحابي»، وهذا المعيار يلتقي مع قوله تعالى عن الصحابة: {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:100].
ومع الحديث: «إنه من يَعِشْ منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنّتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومُحْدَثات الأمور، فإن كلّ مُحْدَثةٍ بِدْعة، وكل بِدْعةٍ ضلالة» أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وقال: إنه صحيح، وأخرجه ابن ماجه وابن حبان، وذكر الألباني والأرناؤوط: أنه صحيح.
فالجماعة هم معظم الأمة، وهم الفِرقة الناجية، وهم أيضاً الملتزمون بالسنة، سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وسنة الراشدين التي أجْمع عليها الصحابة، إذاً مِن هنا جاءت تسمِيَتُهم أهل السنة والجماعة.
فالوسطية ليست كما يظن بعض الناس: أنْ يجعل نفسه وسطًا ومِحْورًا في اجتهاداته، ثم يرى أن من خالَفه نحو التشدُّد بالنسبة لرأيه فقد أفْرَط، ومن خالَفَهُ نحو التفَلُّت فقد فرّط.. لِأن معنى ذلك أن تتَعدَّد حالات الوسطية بقدْر عَدَد الزاعمين ولا تَنضبِط.. ولكن الوسطية هي الالتزام بالكتاب والسنة على فهْم وتطبيق الصحابة.
وفهْم الصحابة وتطبيقهم محفوظان في كتب الحديث والآثار، وبذلك يخرج كل مَن لا يحترم مرجعية السنة ومرجعية الصحابة (منهج أهل السنة والجماعة) كالفِرَق الكثيرة للروافض والاثني عشرية والباطنية وغُلاة المتصوِّفة والخوارج، وغُلاة الاعتـزال وغُلاة علْم الكلام، يخرجون لِأَنهم يرُدُّون كثيرًا من الأحاديث الثابتة في السنة بشأن العقيدة والشريعة، وبشأن صفات الله على الخصوص، ويَرُدّون فهْم الصحابة في العقيدة، وكثيرًا من تطبيقهم في الشريعة، ويلحق بهؤلاء فِرَق القاديانية والبهائية والعلمانية وفِرَق الأفكار المستوردة.
ومجموع الفرَق المخالفة لما عليه الصحابة هي التي تُشَكِّل اثنتين وسبعين فرقة، والفرقة الناجية هم الصحابة ثم التابعون ثم تابعوهم ثم الأئمة الأربعة والظاهرية الملتزمون بكتب السنة وباحترام الصحابة ومرجعيتهم، وأتباع هؤلاء هم المنتشرون في الأرض إلى اليوم، وهم الجماعة كما سبق، وهم معظم أمة المليار والنصف اليوم، وقد يوجد في أوساطهم بعض علماء الكلام أو المتصوّفة، ولكنهم بالنسبة لمجموع الأئمة وللمجدّدين ولمجموع العوّام الذين هم على الفطرة وهم غافلون عن البِدَع.. يُشكّلون قلّة.
وكثيٌر من المنتسبين لعلم الكلام يتراجعون ولاسيما في أواخر حياتهم، فيكتفون بإيمان العجائز والعوام الذي هو عقيدة الفطرة الواردة في الكتاب والسنة، فهؤلاء في الجملة هم أهل الوسطية،
ويُعَبِّر عنها طليعتهم من العلماء والعلماء المجدّدين والدعاة والمجاهدين والحركات الرائدة، الذين هم بمجموعهم الطائفة الظاهرة التي لا يَضُرُّها مَن خالفها، المستمرة إلى قيام الساعة، المذكورة في الحديث المرويّ عن جمْع من الصحابة عند البخاري ومسلم وأحمد وأبي داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان والحاكم والدارمي وأبي يعلى والطبراني والبزار وسعيد بن منصور وغيرهم، وهم المذكــورون في قوله تعالى: {وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} [الأعراف:181].
وهم المذكورون في الحديث: «يحمل هذا العلم من كل خلَفٍ عُدُولُه يَنفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين» أخرجه البيهقي والخطيب، وأخرجه الطبراني في مسند الشاميين عن أبي هريرة، وذكر الألباني في (المشكاة): أنه صحيح.
وهم المشار إليهم أيضا بحديث: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة مَن يُجَدِّد لها دينها» أخرجه أبو داود والحاكم والبيهقي، وصححه الحاكم وسكت عنه الذهبي، كما صحّحه العراقي والسيوطي كما قال المناوي، وتكلّم الحافظ في (الفتح) وغيره عند استدلاله به بما يدلّ على تصحيحه له، وذكر الألباني: أنه صحيح.
التربية على منهج الوسطية في العقيدة:
وذلك بالتربية على التزام عقيدة السلف التي كان عليها الصحابة، التي اعتقدها الإمام أبو حنيـفة ودوَّنـها الطحاويّ الحنفي في (العقيدة الطحاوية)، والتي التزمها الإمام مالك وعبّر عنها بإثبات الصفات (بلا تأويل ولا تعطيل)، عندما قال: "الاستواء معلوم، والكيف مجهول"، والتي عبّر الإمام الشافعي عن حراستها عن شوائب الاستيراد وعن علم الكلام، عندما حكَم على أهل الكلام أن يُضرَبوا بالجريد والنعال، وهي التي ضحَّى من أجل حمايتها من البدع الإمــام أحمد.
هذه العقيدة التي لا تقبل الإضافة ولا الاستيراد في موضوعها، ولا في وسيلةِ تعميمها، لأن العقيدة لا جديد فيها، فما كان عقيدةً لِخير القرون فهو ما يجب أن يكون عقيدة لمن أراد الاتباع بإحسان، وممّا يرتبط بالعقيدة قضايا الولاء والبراء والتكفير والتفسيق والتبديع، والتشريع، والحـدود، والتحليل والتحريم ونحو ذلك.
فلا غلوّ مثلًا إلى حدّ التقوقع في الولاء على جماعة محدودة والتعصُّب لها، وإخراج مَن سواها من أهل السنة، ولا في المسارعـة في التكفير والتفسيق والتبديع في غير أحوال البَوَاح التي فيها من الله برهان، ولا في رفْض التشريعات المأذونة، الدائرة مثلًا في دوائر الحزْم والضبْط والسياسة الشرعية وتقييد وليّ الأمر للمباح، ولا في المبالغة في الاهتمام بالحدود إلى حدِّ إقامتها مع وجود شبهات، ومن قِبَل مجموعاتٍ لا دولةٍ حقيقية، بتجاوزاتٍ وتعسُّفات، ولا في التشدُّد في التحريم كالمبالغة في تحريم بعض أطعمة ومشـروبات أهل الكتاب، أو في تحريم التعامل معهم.
ولا تساهل إلى حد تمييع البراء من الكافرين، بكثرة مجالستهم والتلقي منهم والترويج لِأطروحاتهم ومنظماتهم ومصطلحاتهم فيما يتعلّق بالمعنى الواسع للعقيدة والتشريع والأخلاق، ولا في الرضا بالتقارب والمودّة والتنازل للعلمانيين والمبتدعة كالروافض والقبوريين والمعتزلة، ولا في الإسهام والقبول بتشريع ما لم يأذن به الله كقوانين الربا والسياحة المنكَـرة، وقوانين ترسيم الحدود والتأشيرات والإقامات بين المسلمين، والتفريق في الحقوق بين شعوب المسلمين، وفيما بين جماعات المسلمين، ولا في التشكيك ببعض الحدود كحدّ الردّة وحدّ الرجم، والاعتذار للدول في ديار المسلمين في تجاهل إقامة الحدود وتجاهل المنكرات، ولا في التسامح في المحرمات والشبهات كتجويز صوَرٍ من الاختلاط والتبرُّج، وتوسيع دوائر اللقاء والمساواة بين الرجال و النساء، وإباحة الأغاني والتدخين، ونحو ذلك.
في العبادات:
بالتربية على الاهتمام بالفرائض، والاعتدال في النوافل والمداومة عليها، والاستقامة عمومًا والاستعانة بالله والتوكُّل عليه ومحبته وخشيته والرغبة فيما عنده وتقوية الصلة به....
ومن أمثلة الغلو التي يجب الابتعاد عنها: تنفير النفوس بتطويل الصلاة على خلاف السنة، وكذا السهر الطويل في قيام الليل، وصيام الدهر، والرغبة عن الزواج كما ورَد في الحديث المتفق عليه، الذي زجَر عن مخالفة السنة، وكذا الالتزام بأوراد من الأذكار تبلغ الآلاف مما يكون سبباً في الشكْليّة والملَل تضييع الأعمال، والاعتداء في الدعاء والتطويل فيه وفي القنوت.
ومن الغلوّ: ممارسة الجهاد بلا ضوابط شرعية سليمة، فينتج عنه سفْك دماء المعصومين من المسلمين وغيرهم.
ومن أمثلة التساهل التي يجب التحذير منها: إهمال صلاة الجماعة، والتخفيف إلى ما يُشبه النقْر في الصلوات، وإهمال النوافل التي هي مكملاتٌ وسياجٌ للفرائض، وإهمال الذكر، ولاسيما أذكار الصباح والمساء والمناسبات، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وإهمال الدعاء للنفس وللوالدين وللأقارب وللمسلمين وقضاياهم، وإهمال ذكر اسم الله وحمده على الطعام والشراب ونحو ذلك.
ومن التساهل والتنازل مسايرة الأعداء في مطاردتهم للجهاد من الواقع باسم مكافحة الإرهــاب إلى حدّ إلغائه، والسكوت عن الاحتلال، والترتيب للتعايُش مع الباطل والمنكَر والكفْر.
في المعاملات والأخلاق:
التربية على احترام العلماء ومرجعيتهم، والإحسان إلى الأسرة والأرحام والجيران والمجتمع، والقيام بحقوق المسلمين وتقديم الخدمات، والنزاهة والعفّة والصدق والأمانة والشجاعة.. والانضباط الشرعي في معاملة الحيوانات ومعاملة غير المسلمين، وإعطاء الطريق حقه والحرْص على الأوقات، واجتناب وسائل الإعلام المنحرفة، ومقاطعة الأشرار وتقوية العلاقة بالأخيار.
ومن أمثلة الغلوّ التي يجب على المربّين اجتثاثها:
العصبيات المذهبية والقبلية والشعوبية والحزبيــة والعنصرية والنسبية الجاهلية، والانتشار الواسع للغيبة والسخــرية والّلمْز وسوء الظن والتجسـس على المسلمين، وتقارير النميمة، والتهاجر، والشدّة على المُخالِف.
ومن أمثلة التساهل والتفلُّت التي يجب العمل على إزالتها:
قطْع الأرحام، والاستخفاف بالوالدين، وبذَوِي العلْم والسن والفضل، وانعدام الذلة على المسلمين، وتبجيل المنحرفين والكافرين، والسكوت عن المنكرات وإهمال النصيحة، وتضييع الأوقات والسهر، واللعب واللهو المذموم.
استحضار معيار الوسطية دومًا:
معيار الوسطية هو:
ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه كما سبق، والمرجع في تحديد المعيار في كل زمان ومكان هم طليعة الأمة، وهم علماء أهل السنة والجماعة، قال صلى الله عليه وسلم: (العلماء ورثة الأنبياء) أخرجه أحمد والأربعة وابن حبان، وذكر الأرناؤوط: أنه حسن، وذكر الألباني: أنه صحيح.
وقال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11].
وقال جلّ وعلا: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:43]، والمقصود بهم علماء المذاهب الأربعة والمذهب الظاهري، وغيرهم مـمَّن قبِل بـهذا المنهج فقبِل بمرجعية السنة وعموم الصحابة، فإذا اتفق هؤلاء العلماء على حكْم شرعي، فلا بدّ لمن يريد الوسطية من الأخذ به، وإذا اختلفوا دون تشنيع جمهورهم على بعض الأقوال، فيمكن اختيار قولٍ من أقوالهم، أما مع تشنيع جمهورهم على قولٍ، فمعنى ذلك أنه شذوذ وزلَل لا يجوز الأخذ به، وأنه بعيدٌ عن الوسطية.
والبرهان على ذلك هو ما سبق من إثبات النصوص لمرجعية الكتاب والسنة والصحابة، ولِمرجعية العلماء الملتزمين بذلك، فإجماعهم حجة، وعند اختلافهم فكلّهم مرجعية، ويمكن الاختيار من أقوالهم، أما عند تشنيع معظمهم على قولٍ فلا يجوز الأخذ به، لِأنه زلَّة وشذوذ، وهنالك إجماع من العلماء على عدم جواز الأخـذ بالشذوذ كما نقل ذلك ابن عبد البر وابن القيم وغيرهما. ومعلوم من منطق البشر المعمول به، أن البشر في حال انتظامهم، يأخذون بما أجمع عليه أهل الاختصاص منهم في أيّ قضية، فإن لم يوجد إجماع أخذوا بقول أغلبية أهل الاختصاص، لاسيما عندما يوجد تشنيع من الأغلبية على المُخالِف، وهذا إجماع بشريٌ على هذا المنطق، وعليه فليس غريبًا أن يكون ذلك إجماعًا أيضًا لعلماء المسلمين، ولا يجوز للمسلمين مُخالَفته، قال تعالى: {ومَن يُشَاقِقِ الرسولَ مِن بعد ما تَبَيَّن له الهُدَى ويَتَّبِعْ غيرَ سبيل المؤمنين نُوَلِّه ما تَوَلَّى ونُصْلِهِ جهنّمَ وساءَتْ مَصِيرًا} [النساء:115].
وبالله التوفيق..